العبور من الإيمان الديني إلى مواقف مختلفة كالربوبية أو الإلحاد عكس ما يعتقد ال كثيرون
هو عبور عسير مليء بالآلام ومعاناة الفكر والروح، والذين تجشموا مشقة هذا العبور تحلوا
جميعا بإرادة تغيير ما بأنفسهم، وهي العملية الأكثر صعوبة لأنها تقتضي مواجهة العقل
الجمعي الموشوم بالتوتر والهياج والتبعية لما هو جاهز. وقد لا تكمن صعوبة هذا الانتقال في
التخلص من "الضوغما" بقدر ما تتمثل في صعوبة إيجاد البديل )أو الملاذ( بعد الفراغ الذي
تخلفه مغادرة المعبد وهدم الأوثان، فالمؤمن تربى وعاش في حضن اليقين المتوارث، ما
يخلق من حوله شرنقة تضيق أكثر فأكثر كلما زاد معرفة واكتشافا لتفاصيل الخطاب
المقدس، ل كن بوادر التمزق لا تأتي في الغالب من داخل المعبد، بل من تفاصيل اليومي
وتناقضات الحياة، فالإنسان كائن تاريخي لا ينفصل عن الأرض، ولهذا تحكمه كغيره من
الموجودات قوانين التغير والتحول اللانهائية، التي تصنع التوتر بين النصوص الثابتة والواقع
المتحرك، هذا التوتر الخلاق الذي لا يتوقف عن إنتاج الأسئلة القلقة، التي تنتهي بصاحبها
إلى نقطة اللاعودة، النقطة التي تدفع إلى اقتراف الخطوة الأكثر جسارة: تغيير زاو ية النظر،
وأسلوب التفكير. فما دامت نفس المقدمات تؤدي دائما إلى نفس النتائج، فلا شك أن
تغيير المنطلقات ومنهج النظر يؤدي لا ريب إلى اكتشاف طر يق جديد، نحو تفكيك البناء
الذي ظل طوال عمر الفرد بمثابة النسق الذي لا يمكن نقضه، ولا التشكيك في ثوابته، ولا
التفكير فيه خارج منطق التقديس، ما دام يقدم أجوبة على جميع الأسئلة، وعلى رأسها
السؤال الخالد الذي يقف عنده العقل والعلم، السؤال الميتافيز يقي.